السياحة المغربية تحقق أرقاما تاريخية بإيرادات بلغت 11.3 مليار دولار خلال عشرة أشهر وعدد سياح وصل إلى 16.6 مليون زائر

 السياحة المغربية تحقق أرقاما تاريخية بإيرادات بلغت 11.3 مليار دولار خلال عشرة أشهر وعدد سياح وصل إلى 16.6 مليون زائر
الصحيفة - خولة اجعيفري
الثلاثاء 2 دجنبر 2025 - 20:33

يبدو أن القطاع السياحي تحول رسميا إلى "رافعة واعدة" في إنعاش خزينة الدولة وفق ما كشفته أرقام 2025، فمن شهري يناير إلى نهاية أكتوبر فقط حققت المملكة ما قيمته 113 مليار درهم من عائدات السفر بالعملة الصعبة، وهو رقم غير مسبوق في تاريخ الاقتصاد الوطني ويتجاوز مجموع ما حققه القطاع في سنة 2024 كاملة، ويمنح السياحة موقعا متقدما ضمن أكبر مصادر التدفقات المالية الخارجية نحو المغرب.

وهذه القفزة النوعية لم تكن ممكنة دون دينامية مركبة بدأت قبل سنوات، وتعمّقت بعد الجائحة، واستفادت من الاستثمار الضخم في البنيات التحتية، وإعادة تموقع الوجهة المغربية في الأسواق العالمية، وتحديث خطوط الطيران، وتطوير تجارب جديدة تستجيب لتفضيلات سياح يبحثون عن الأصالة كما عن الراحة، وعن التنوع كما عن الاستدامة.

تكشف البيانات الرسمية، أن العائدات سجّلت ارتفاعا يفوق 16 مليار درهم مقارنة مع الفترة نفسها من 2024، أي بنسبة نمو بلغت 17%، وهو ما يؤكد أن المغرب بات قادرا على تحويل تدفق الوافدين إلى قيمة اقتصادية مضافة لا مجرد ارتفاع عددي في الزوار.

فالبلاد استقبلت، خلال الأشهر العشرة الأولى من العام 16.6 مليون زائر، بزيادة 14% عن 2024 بنموا نسبته 14% في عدد السياح الوافدين، لكن الأهم من ذلك أن السياح الذين يختارون المغرب يميلون أكثر إلى الإقامة لمدة أطول والإنفاق على تجارب متنوعة، ما يدعم المنحى التصاعدي للعائدات على نحو مستدام.

وهذا التزايد لا يعكس فقط جاذبية المملكة كوجهة سياحية، بل أيضا ثقة متنامية في جودة العرض المغربي الذي لم يعد يعتمد على "الصورة الكلاسيكية" للسياحة الشاطئية أو الثقافية وحدها، بل طور منتجات جديدة تشمل تجارب رياضية، ومسارات جبلية، والرحلات الصحراوية، وتطوير وجهات داخلية كانت حتى وقت قريب خارج الخريطة السياحية، من قبيل الداخلة وتافراوت وبني ملال.

وقد أكدت فاطمة الزهراء عمور، وزيرة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، أن هذه النتائج ليست مجرد أرقام عابرة لصفحات الإحصاءات، في قولها "تؤكد هذه النتائج توجهنا فنحن لا نسعى وراء الأرقام فقط ما نبحث عنه هو نمو يرفع عائدات السياحة من العملة الصعبة، وبالتالي يعزز النشاط الاقتصادي ويخلق فرصا إضافية للشغل للمغاربة وسنواصل على هذا المسار في 2026".

هذا التصريح يترجم التحوّل في المقاربة الحكومية، أي الانتقال من "حجم الوافدين" إلى "جودة العائدات" وهو ما جعل القطاع اليوم يحقق قيمة مالية تقارب عائدات الفوسفاط في بعض السنوات، ويتقدم على تحويلات الاستثمارات الأجنبية المباشرة، ويقترب من تحويلات الجالية المغربية في الخارج التي تبقى المصدر الأول للعملة الصعبة.

النتائج التي تحققت ليست وليدة صدفة، فالملاحظ هو أنه منذ 2022، تضاعف الاستثمار في تطوير الإيواء السياحي في مدن مثل طنجة وأكادير ومراكش وفاس، مع تعزيز الربط الجوي عبر اتفاقيات جديدة مع شركات دولية منخفضة التكلفة وشركات وطنية، وكذا إطلاق تجارب مبتكرة تشمل السياحة البيئية، ومسارات التراث اليهودي، والسياحة الرفاهية، وتجارب الطعام المغربي.

وإلى جانب كل ما سبق، تم تحسين البنية اللوجستية من مطارات وطرق وموانئ، خصوصا مع مشاريع ضخمة مثل ميناء الناظور غرب المتوسط، كما عملت الوزارة والمكتب الوطني المغربي للسياحة على إعادة تموقع المغرب في أسواق مثل بريطانيا وإسبانيا والولايات المتحدة وإسرائيل وألمانيا، إضافة إلى استهداف أسواق ناشئة في أمريكا اللاتينية وآسيا.

وتجاوز عائدات سنة 2024 كاملة قبل نهاية أكتوبر 2025 هو برهان على تعافٍ لم يعد مرتبطا بما بعد الجائحة، بل بنموذج قطاعي جديد يُهيّئ لموسم نهاية السنة الذي يُعد عادة فترة ذروة في الحجوزات.

فالقطاع يواصل النمو رغم التحديات الدولية التي أثرت على السياحة عالميا، من ارتفاع أسعار الطيران إلى الاضطرابات الجيوسياسية. ومع ذلك، ينجح المغرب في الحفاظ على موقع ضمن أكثر الوجهات استقرارا وجذبا في المنطقة المتوسطية.

المؤشرات الحالية تضع السياحة على مسار صعودي قد يجعل سنة 2026 عاما مفصليا قد تتجاوز فيه العائدات مستوى 130 مليار درهم، إذا استمرت الوتيرة نفسها في تدفقات الزوار وفي جودة العائدات، فالمغرب اليوم لا يكتفي باسترجاع مكانته، بل يعيد رسم صورته كوجهة عالمية تمتلك قدرة على الربط بين الأصالة والحداثة، وعلى تحويل التنوّع الجغرافي والبشري والثقافي إلى رأسمال اقتصادي فعلي.

وفي ظل هذا الزخم، يبدو واضحا أن السياحة أصبحت جزءا من تعريف النموذج الاقتصادي المغربي الجديد، قطاع يخلق الثروة، يدعم العملة الصعبة، ويوفر الآلاف من مناصب الشغل، ويشكل واجهة ناعمة لصورة المغرب في العالم.

وفي هذا الإطار، قال الخبير في السياسات السياحية والبنيات التحتية سعيد أركيبي إن القفزة الكبيرة التي حققتها السياحة المغربية في 2025 ليست بأي حال، نتيجة ظرفية أو موجة عالمية من التعافي بل هي ثمرة هندسة استراتيجية طويلة الأمد انطلقت قبل الجائحة وتسارعت بعدها، وارتبطت بتحضير البلاد لاحتضان أكبر تظاهرتين رياضيتين في تاريخها: كأس إفريقيا للأمم 2025 وكأس العالم 2030.

وأوضح أركيبي في حديثه لـ "الصحيفة"، أن قراءة الأرقام السياحية اليوم بدون وضعها داخل إطار هذه الأوراش الضخمة يجعل الصورة ناقصة، لأن المغرب يشتغل منذ ثلاث سنوات على إعادة بناء قدرته الاستيعابية وليس فقط تطوير عرضه الترويجي.

ويضيف الخبير: "منذ 2022، دخل المغرب في مرحلة توسع غير مسبوقة في البنيات التحتية: توسيع مطارات مراكش، الدار البيضاء، طنجة، العيون، وتشييد مطار جديد في الداخلة، إضافة إلى تحديث محطات القطار عالية السرعة ووصلات الطرق السيارة هذه المشاريع هي تغيّر جذريا قدرة البلاد على استقبال ملايين إضافية من الزوار سنويا".

كما يشير أركيبي إلى أن استعداد المغرب لكأس إفريقيا وكأس العالم ينعكس مباشرة على المؤشرات السياحية، لأن الاستثمار في الملاعب (الدار البيضاء، مراكش، طنجة، أكادير، فاس..) لا يقتصر على الجانب الرياضي، بل يرتبط بمنشآت مرافقة تشمل فنادق جديدة، ومقرات عصرية للضيافة، ومراكز تجارية، ومساحات للترفيه.

ويتابع: "تجهيزز ملاعب بمواصفات الفيفا جعل المدن المعنية تعيد تنظيم نفسها بالكامل. مراكش وحدها شهدت إضافة أكثر من 22 مشروعا فندقيا قيد الإنجاز منذ 2023، بينما تستعد طنجة لافتتاح وحدات فندقية دولية موجهة لزوار كأس العالم. هذا الاستثمار البنيوي هو ما يفسر ارتفاع العائدات وليس فقط ارتفاع عدد الوافدين".

ويؤكد الخبير أن المغرب أدرك مبكرا أن استضافة الأحداث الكبرى لا تعني فقط ملء الفنادق خلال يوم المباراة، بل خلق بنية اقتصادية مستدامة تُحوّل المدن الرياضية إلى أقطاب سياحية دائمة وهو ما يفسر نجاح مدن مثل مراكش وطنجة في جذب سياحة الأعمال والمؤتمرات، إلى جانب السياحة الكلاسيكية.

ويضيف أركيبي: "ربط المغرب سياسته السياحية بالسياسة الجوية كان قرارا حاسما اليوم نتحدث عن أكثر من 120 خطا مباشرا جديدا فُتح منذ 2022، ليس فقط نحو العواصم الأوروبية، ولكن أيضا نحو نيويورك وميامي وريو دي جانيرو والدوحة ودبي والدار البيضاء–لاجوس تنويع الأسواق جعل تدفق السياح أقل هشاشة أمام الأزمات الأوروبية".

أما على مستوى الاستثمارات السياحية المباشرة، فيؤكد الخبير أن المملكة جذبت خلال 2023–2025 أكثر من 3,5 مليار دولار في وحدات فندقية جديدة، أغلبها في مراكش وأكادير والداخلة، إضافة إلى مشاريع فندقية فاخرة في الصويرة وفاس، وقرى سياحية جديدة في ورزازات والريف المتوسطي.

ووشدّد أركيبي على أن ما "لا يعرفه الكثيرون هو أن المغرب يشتغل اليوم على بناء منظومة سياحة وطنية متعددة الأقطاب، وليس الاعتماد على مراكش–أكادير فقط إطلاق مشاريع ضخمة في الداخلة، وإعادة هيكلة واحة زاكورة، وتأهيل قصور الجنوب الشرقي، وتطوير السياحة الجبلية في الأطلس المتوسط، هو ما سيخلق الطفرة الحقيقية في 2026 و2030".

كما يشير إلى أن التحضير لكأس العالم 2030 أدّى إلى دخول المغرب في مرحلة جديدة من الرقمنة السياحية، تشمل توحيد منصات الحجز، رقمنة المسارات، وإطلاق خدمة الخرائط الذكية للمدن السياحية، وهو ما بدأ يجذب جيل السياح الشباب الذين يبحثون عن التجربة قبل الوجهة.

ويختتم الخبير تحليله بالقول: "الذي يحدث اليوم هو بداية التحول.. أما التحول الحقيقي فسيظهر بين 2026 و2030المغرب لا يشتغل على رفع الأرقام فقط، بل على إعادة تعريف دوره في سوق السياحة المتوسطية والعالمية وخلال كأس العالم، سيكون المغرب أمام اختبار عالمي، وكل المؤشرات تقول إنه سيخرج منه كواحدة من أقوى الوجهات الناشئة عالميا"

ما يجب قوله للإسبان في مدريد؟

في الوقت الذي تعقد فيه الحكومة الإسبانية ونظيرتها المغربية، اليوم الخميس، بمدريد الدورة الثالثة عشرة من الاجتماع الرفيع المستوى، مع ما يعكس ذلك من تطور كبير في العلاقات الثنائية بين ...

استطلاع رأي

مع قُرب انطلاق نهائيات كأس إفريقيا للأمم "المغرب2025".. من تتوقع أن يفوز باللقب من منتخبات شمال إفريقيا؟

Loading...